مواطن في وطن يملكه الأخرون

السلام عليكم ورحمة الله


إنه المساء ولا شيء جديد سوى بضعة أمور لا تغير مرارة الأيام ، هناك في الأفق يسطع القمر كما يفعل دائماً عندما يحين الوقت إنه يؤدي عمله كما يجب ، وهذه هي أزقة الحارة تكاد تخلوا من المارة باستثناء من يمرون بخطاً متسارعة ليصلون إلى مهاجعهم لا أعلم لما العجلة ، وهاهو يمشي بخطاً متثاقلة يكاد يملئها الوقار ينظر تارة يميناً وتارة شمالاً عله يلحظ جديد ومن ثم يطيل النظر إلى موطئ قدمه ، هناك وبجانب برميل القمامة تتمترس بعض الكلاب وبجانبها وليس بقريب بعض القطط والكل يبحث عن شيئ قد يسد جوعه ولكن هيهات فهي لا تجد إلا بعض الفتات لم يجده من مر من البشر وقبله غاب عن ناظر من رماه ، هي لا تفكر حتى في مهاجمة من يقترب منها (أعني الكلاب ) ربما لأنها لا تجرؤ على ذلك أو أن الجوع لم يعطها القوة لذلك أو ربما من يقترب لم يصدر منه حتى الآن هرمون الخوف والشجاعة ربما لأنه لم يعد هناك ما يخيفه أو أنه لا يوجد ما يخاف عليه وربما أن جسمه لم يعد قادراً على إفرازه .



يتدلى من على كتفه الأيسر حزام حقيبته ليمر تحت إبطه الأيمن حيث يضع يده اليمنى على حقيبته كما يفعل الحجاج وقت الإضطباع بإحرامهم ، يتقدم بخطاً واثقة تسمع ضربات حذائه القديم على الإسفلت ولكن بصوت مختلف ليس كصوت الأحذية البراقة إنه صوت مختلف تماماً لا يكاد يشبه صوت حذاء ، يتنهد تارة ومن ثم يمعن التفكير ويطلق زفير .



هاهو قد وصل إلى حيث ما يمكن أن يسمى مهجع يدخل في ظلام ذلك الزقاق ليصل إلى باب العمارة القديمة يصعد الدرج وعندما يصل إلى باب الشقة يطرق الباب إنه لا يسكن لوحدة في هذه الشقة ومن يشاركه السكن ليس أسرته إنما بعض معارفه وبعض معارف معارفه ، يفتح الباب يدخل بقدمه اليمنى ، يهم بإغلاق الباب ويهم بإلقاء السلام على من في الداخل ، لكن هناك من يدفع الباب محاولاً التسلل ، ينظر إليه هو لا يعرفه يمنعه بدفع الباب بلطف ومن ثم يسمح له بالدخول بعد أن أسمعه ما هي صفته ، نعم هو جديد في هذا السكن المكتظ بالعديد من القاطنين ، يدخل الزائر الغير مرحب به يأخذ يدقق في كل صغيرة وكبيرة ينظر إلا ما كان يفترض به أن يكون مطبخ ، يرى على الأرض أشياء تمثل ما يمكن أن يكون فراش .






يتسائل بغلظه لما تنامون في المطبخ ، يجيبه أحدهم لأننا لا نطبخ فيه وهو يمثل مساحة تكفي لأن ينام فيها اثنان رغم برودته فقاعته من البلاط وأيضاً نص جدرانه ، يغير الموضوع بقوله ما علينا ، ويتسائل متى استأجرتم هذه الشقة يجيبه أحدهم منذ ما يقل عن العام ، فيرد عليه لا بل ما يزيد على ذلك، يبرز له بعض الأوراق ويقول له إنظر إبحث عن ورقتكم فهو أظنه لا يجيد القراءة ، يبحث صديقنا ويبرز الورقة والتي تمثل عقد السكن ، هاهي حسناً انت على حق مر علينا عام وشهرين
اهاه يقولها بتزمت
وكم تدفعون؟
فيجيبه بالمبلغ مظيفاً إليه الماء والكهرباء
فيقول له دعك من الماء والكهرباء فأنا لا اربح منها شيئاً
فيرد عليه بالمبلغ وهو ما يمثل مائة وخمسة وعشرون دولاراً
فيقول له إذا سوف تصبح مبلغ ما يمثل مائة وخمسين دولاراً إضافة إلى الماء والكهرباء
نحن لا نجد الماء يقول أحدهم
يرد: إن لم يعجبكم الأمر أخلو السكن !
أمهلنا شهر أو شهرين كي نجد سكناً أخر
لا ! هي عشرة أيام
ثم يمضي إلى الشقة الأخرى
يدخل صديقنا غرفته والتي هي واحدة من ثلاث غرف ومطبخ صغير وحمام فهي كل مكونات الشقة والتي تشبه السجن القديم ، هذه الغرفة قياسها مترين ونصف في مترين ونصف يتشاركها مع صديق له ، يضع حقيبته ومن ثم يغير ملابسه ، ويرمي بجسده المنهك على الفراش .



يحرك رأسه معلناً عدم رضاه ، ويردف بزفرة انتزعها من بين أحشائه ، واصل تحديقه بسطح الغرفة بتركيز شديد وهو يستعرض في ذهنه ما مر به ، يقلب تلك المشاهد بغضب باحثاً ربما عن ما يمكن أن يرسم له جزء من بريق أمل ولكن دون جدوى .

يمر عليه أحد المشاهد وهو عندما كان يتصل بأهله حيث أخبروه نبأ مرض طفله الصغير ، مشهد أخر عندما كان يبحث عن ذلك الراتب الضئيل في عمله حيث أخبروه بأنه يجب عليه الصبر بضعة أسابيع أخرى إضافة إلى الشهرين الذي صبر فيهم فهو يعلم بأن هناك ايضاً عدة أشهر فهم يعتذرون بقولهم عندما يأتي موسم الحج والعمرة سندفع لك حيث سيكون هناك عمل يخبروه بأن عليه أن يدبر نفسه أو يستلف ، مشهد أخر عندما تحسس جيبه فلم يجد به سوى مبلغ صغير لن يساعده على الحياة حتى نهاية الأسبوع ، هذه المشاهد وغيرها تتكرر مراراً وتكراراً ، وهو يحاول أن يجد مبرر لما يحدث ليقنع نفسه، يبحث عن حل ليخرجه مما هو عليه لكنه يفعل ذلك منذ عدة أعوام دون فائدة ترجى .

إنه دائما يحاول أن يخفف من ألمه بمواساة نفسه أن هناك من هو أسوء حال منه ، ولكن يتسائل في نفسه ربما الآخرون لا يملكون المؤهلات التي يمتلكها ويرد على تساؤله بأن هناك من يملك أفضل منها

ومن ثم يرسم على شفتيه نصف ابتسامه شاتماً هذا الوطن ، الذي جعل شخص مثل مالك المبنى والذي لا يجيد القراءة والكتابة يتثاقل على شباب مثقف مثلنا ، ويردف تباً لك نحن فقط نعطي دون ما نجد أي مقابل ،
يتذكر معارفه من يعيشون نفس معيشته و من يشاركونه السكن ، دكتور صيدلي ، فني مختبرات ، موظف في إحدى الوزارات يحمل عوداً ، عجوز أحيل إلى التقاعد ، مهندس أجهزة طبية ، مبرمج ، عسكري ، مهندس مدني ، ,,,,,,,



يقول في نفسه ما الذي يجمعنا نحن من قرى مختلفة رغم تشاركنا مدينة واحدة ، نحن على درجات مختلفة من الوسامة ، ولكننا هاهنا نتشارك سكن واحد ورقعة شطرنج وحل الكلمات المتقاطعة ، ونتشارك وطن واحد نؤمن جميعنا بأنه سبب تعاستنا ، ومن ثم ننتظر متى سيتم بيعه وعندها سندافع عنه وننشد الأشعار في حبه ، وطن يزيد الغني غناً والفقير فقراً والجاهل جهلاً ونحن نحاول أن نزداد علماً عله ينفعنا في يوم من الأيام ، لكن يبدو أن هذه الأيام لن تأتي أبداً ، وما علينا سوى انتظار مرور الزمن الذي لا نعرفه سوى كأرقام عام يمر وعام يأتي ، ونظل ننتظر أن يتنزل علينا ملك من السماء ليقبض تلك الأرواح الشقية ويخلصها من هذا الشقاء ، ففي الأخير الكل سيؤول إلى هذا المئال ، ويبقى هذا الوطن الممزق بين العصابات تجني منه ما لذ لها وطاب وعندما يحين الوقت تبيعه لمن يدفع الأكثر ، أو من يدافع عنها وعن مصالحها .








أكثر...